" سأقدم كل ما بوسعي من أجلك يا صديقي . "
" سأذهب الآن إلى مركز الشرطة لأقابل السيد بينشي . "
" هيا بنا يا كيليفون . علينا ألا نضيع الوقت . فربما تساهلنا وتأخرنا ‘ ولم نتوصل إلى الحل إلا بعد فوات الأوان . "
خرجنا من البيت بعد أن أغلقنا الغرفة ولم نحرك شيئاً . وصلنا المركز ونحن متحمسين كثيراً . طلبنا من السيد مانسيني وهو رئيس المركز أن نقابل المتهم فوافق وأدخلنا إليه بسرعة . كان وجهه شاحباً جداً ‘ وكان يبكي خوفاً منا لأنه ظن أننا سنأخذه إلى حبل المشتقة ‘ ولكننا كنا علـى العـكـس تـمـامـاً . نـحـاول إنـقـاذه ..
قال كيليفون : " سيد بينشي ‘ أريد أن تحدثني بكل صراحة . فأنا أحاول إنقاذك .
هل قتلت السيد بريكلانس ؟ "
أجابه بنبرة بكاء غريبة : " لا ‘ أقسم بالله أنني لم أقتله يا سيدي . لقد اتهموني بقتله لأنني الرجل الوحيد الذي كنت معه في البيت ليلة موته . أنا بري صدقني . "
" حسناً . أنا أصدقك ‘ لكن أريد أن أوجه إليك بعض الأسئلة ‘ وكما اتفقنا أريدك أن تجيبني بكل صراحة . "
" تفضل سيدي . "
" متى تعتقد أن السيد بريكلانس فارق الحياة ؟ "
" أنا متأكد من أنه توفي بعد أن خرجت ميني بريكلانس من البيت . وهذا يعني أنه توفي في الساعة الثامنة أو الثامنة والثلاث دقائق مساءً . "
" هذا جميل . لقد خرجت ميني بريكلانس في الثامنة وتوفي والدها بعد دقائق من موعد خروجها . حسناً ، هل دخلت غرفة سيدك قبل موته ؟ "
" أجل ، وقد لفت انتباهي عامود أسود كان متصل بسقف الغرفة ، وكانت تسقط منه قطرات ماء . "
صرخ كيليفون : " هل كانت هناك سكين في أعلى العامود ؟ "
" لا ، أنا واثق أنني لم أشاهد سكيناً . "
" أوه ، لو أنك وجدت سكيناً لتعرفت على القاتل بسهولة . "
" هل لديك أسئلة أخرى يا سيدي ؟ "
" أجل ، عندما دخلت الغرفة ، هل كانت درجة الحرارة مرتفعة ؟ "
" آه ، أجل ، لقد كانت مرتفعة جداً ؟ "
" متى دخلت الغرفة ؟ "
" قبل مغادرة ميني بريكلانس للبيت بنصف ساعة . "
" حسناً ، شكراً لك يا سيد بينشي . أعدك بأن أخرجك من هنا بعد ربع ساعة . "
" شكراً لك يا سيدي ، أنا ممتن لك يا ـ "
" أوه ، نسيت أن أعرفك ، أنا السيد جيرمون كيليفون ، وأنا رجل تحريات خاص . إلى اللقاء ، أنا مستعجل . "
خرج كيليفون وتبعته وأنا لا أفهم شيئاً . هل توصل إلى القاتل بهذه السرعة ؟ أم أنه يـريـد أن يـجـرب شـيـئـاً مـن الأشـيــاء الـي تدور في رأسه ؟ أتمنى أن أعرف قريباً
ما يفكر به .... مشينا بسرعة إلى بيت السيد بريكلانس . سألت كيليفون وأنا أمشي معه : " ماذا تريد أن تفعل يا جيرمون ؟ "
أجابني بسرعة : " سأصل إلى القاتل يا صديقي . "
لم أوجه إليه أي أسئلة أخرى ، بل تابعت المشي خلفه بسرعة .
وصلنا بيت السيد بريكلانس ودخلنا مسرح الجريمة . بدأ كيليفون يحدق بسقف الغرفة بحثاً عن تلك العصا أو العامود الذي أخبرنا عنه السيد بينشي . وأخيراً قال وهو لا يزال يحدق بالسقف : " جيمس ، أنظر هناك ، إنها تبدو قاعدة للعصا التي أخبرنا عنها بينشي . "
حدقت إليها ، كانت هناك دائرة في قطعة سوداء مربعة بها دائرة صغيرة من الواضح أن العصا كانت معلقة فيها . لكن ما الفائدة من وجود هذه القطعة السوداء؟
حولت نظري من الأعلى إلى الأسفل ، اقتربت من الجهة اليسرى للضحية وبدأت أبحث عن أي أثر لتلك العصا . وفجأة ، وجدت العصا السوداء التي كانت مخبأة تحت سرير السيد بريكلانس . صرخت بصوت مرتفع ثم قلت : " كيليفون ، إنها العصا التي تبحث عنها . " ذهب إليها بسرعة وحاول سحبها من تحت السرير . وبعد أن سحبها إلى الخارج وظهرت بكاملها أمام عيني . علمت أنني لن أستفيد منها أي شيء . إنها مجرد عصا تحت سرير ، فلماذا فرحت وقمت بالصراخ .
قال كيليفون : " أنظر يا جيمس ، إن هذه العصا هي حل اللغز . "
" وكيف ؟ "
" أنا لم أتأكد لكنني سأتأكد غداً يا صديقي . أعذرني لأنني سأتأخر بعض الوقت . "
" لماذا ستتأكد غداً ؟ "
" لأنني أريد أن أقوم بتجربة ، وإذا نجحت سننجح في إخراج السيد بينشي من السجن وإنقاذه من حبل المشنقة . "
ذهبت أنا وصديقي كيليفون إلى غرفة السيد بريكلانس , ولكن قبل أن ندخلها , أخذ كيليفون جهاز قياس لحرارة الجو . ثم دخل الغرفة وشغل جهاز القياس . نظر إلي وقال بحماسة : " إن درجة الحرارة هنا 61 درجة مئوية . "
" وماذا سيفيد هذا الشيء ؟ "
" ستعرف بعد التجربة يا صديقي . "
خرج كيليفون من البيت وأسرع متوجهاً إلى بيته , وأنا لا أفعل شيئاً سوى اللحاق به , دون أن أعرف ما الذي سيفعله . دخل بيته وفتح غرفة الاستقبال . كان جهاز التبريد في هذه الغرفة مميز جداً , فقد كان بإمكانه أن يحدد درجة الحرارة التي يريدها . ثبت درجة الحرارة على 61 درجة مئوية ثم توجه لمطبخ بيته وأخذ قالب ثلج كبير جداً ووضعه على قاعدة في غرفة الاستقبال . وأخيراً طلب مني أن أخرج وأغلق الباب والمصباح ... جلسنا في غرفة البلياردو نشاهد ابن أختي وهو يستعرض مهاراته على الطاولة . لقد كان بارعاً جداً في اللعب . قام كيليفون بمباراته ولكنه فشل في هزيمته . واكتفى بقوله : " إنك بارع جداً يا براون , لكن أتمنى أن تكون رجل تحر مثل خالك في المستقبل . "
ضحكت وقلت له : " أوه يا كيليفون ، أنا لا أساوي شيئاً بالنسبة لرجال التحري . إنني فقط مجرد مساعد لرجل تحر خاص . "
مضت نصف ساعة بعد أن وضعنا قالب الثلج ، فقام كيليفون من الأريكة فزعاً ودخل غرفة الاستقبال , لكنه لم يجد من قالب الثلج سوى القليل من قطرات المياه .
فابتسم في وجهي وقال : " آه ، يا جيمس , لقد توصلت للقاتل أخيراً . "
قلت بتعجب : " من ؟ وكيف ؟ "
" سأشرح لك كل شيء الآن . "
" تفضل , ولكن أرجو أن تختصر كل شيء ببساطة . "
ضحك وقال : " لا تخف ، القصة أصلاً قصيرة . "
" حسناً ، فلتبدأ . "
لقد كان القاتل بارعاً في التخطيط لجريمته البشعة . إنه ذكي جداً , ومن الواضح أنه مخترع رائع . لقد أخبرنا السيد بينشي أنه رأى سيده آخر مرة على قيد الحياة في الساعة السابعة والنصف , قبل موت بريكلانس بنصف ساعة , وهذا كان صحيحاً بلا شك . دبر القاتل هذا الفخ للسيد بريكلانس الذي كان جالساً على الكرسي قبل موته . وغرس السكين في عنقه وهو يجلس على الكرسي . ولكن عيناه لم تكن مصابة , فقط كانت منذ زمن وهي هكذا , اليمنى أصبحت عمياء . وهذا لا شأن له بالجريمة . كانت السكين معلقة في أعلى العصا التي شاهدها بينشي عندما دخل الغرفة , وكان هناك قالب ثلج كبير لم يشاهده السيد بينشي لأنه كان مخفي بطريقة احترافية . درجة الحرارة 61 درجة مئوية , وقالب الثلج سيذوب بعد نصف ساعة بسبب ارتفاع درجة الحرارة . وبعد ذوبانه , ما الذي سيحصل ؟؟ سيسقط السكين بسرعة هائلة ويُغرس في عنق السيد بريكلانس . إنها جريمة رائعة حقاً .
مباشرة ستتوجه الاتهامات إلى السيد بينشي لأنه الرجل الوحيد المتواجد في البيت أثناء موت الضحية . وبهذا سيتم القبض عليه وسجنه ومحاكمته وإعدامه ... "
قلت بغضب : " لكنني لم أعرف القاتل يا كيليفون . "
" بريكلانس . "
وقفت من مكاني وقلت وأنا مشدوه : " ماذا ؟ هل يمكن أن تكون الآنسة بيكلانس قتلت والدها ؟ "
" جيمس , لا تكن غبياً , السيد بريكلانس هو من قتل نفسه . "
" انتحر ؟ "
" أجل , لقد كان يعاني من حياته المأساوية , ولم يكن يعرف ماذا يفعل كي يعيش سعيداً . فقرر أن ينتحر ويورط السيد بينشي ليقضي عليه . ولكنه لم يكن يعلم أن جيرمون كيليفون سيأتي ويحل لغز بريكلانس . "
" أنت عبقري يا كيليفون . مع أنني كالعادة لم أفهم شيئاً مما قلته . لكنني أعترف أنك عبقري . "
" جيمس , أتمنى أن تكون حذراً ومتيقظاً في القضايا القادمة . أنا متعجب لأنك لم تساعدني في هذه القضية . "
" لا تتعجب يا صديقي ؛ فأنا لم أساعدك لأنني لم أفهم شيئاً مما شرحت . "
قريباً إن شاء الله قصة ( جريمة في القرية الشمالية ) للكاتب محمد سمير الشتيوي ..............