البحر الميت يموت لماذا؟ وكيف؟
الباراشوت04-10-2003, 11:29 PM
لندن- ايلاف: اعترفت تقارير بريطانية اليوم ولأول مرة ان البحر الميت صاحب القصص اللاهوتية في الديانتين المسيحية واليهودية بدأ يموت، وقالت التقارير ان مياه هذا البحر المالحة ذات الجاذبية الخاصة دينيا وصحيا بدأت تنحسر ويواصل هذا البحر الذي دخل الحال التاريخي والديني والبيئي في منطقة الشرق الأوسط معاناته منذ أمد غير قصير رغم التحذيرات الاردنية في شأن ذلك.
وموت البحر الميت على ما يبدو سيتسبب في كوارث بيئية وانسانية كثيرة اذا لم يتفاهم العالم على حلها عبر تفهم المشروعات المطروحة لإنقاذ المنطقة من كوارث لا يمكن حلها، الا بمبارات دولية تنقذ ما يمكن انقاذه رغم عدم تجاوز كل من اسرائيل والاردن في حربهما المائية التي تمتص اكبر قدر من مياه نهر الاردن لصالح كليهما على ان اسرائيل هي المنتصرة في هذا الاتجاه وهي وضعت الأردن في حال جفاف مستمر منذ ثلاثين عاما ووضعته على حافة انهيار اقتصادي بسبب شح المياه.
وفي تقرير نشرته صحيفة (ديلي تلغراف) البريطانية اليوم من وجهة نظر اسرائيلية بحت، فإن اسرائيل التي استغلت البحر وكذا حال نهر الأردن ابشع استغلال باتت تعترف على لسان خبرائها بالكارثة التي توشك ان تتحقق مع موت البحر الميت.ويقول التقرير ان البحر الميت بدأ بالانكماش منذ خمسين عاما ، وبالطبع في السنوات التي قامت خلالها دولة اسرائيل باستغلال جميع الموارد المائية التي تصب في البحر الميت من منابعه في لبنان كالحاصباني وبانياس وتل القاضي واللدان، وهي ايضا ارتكبت اكبر جريمة بيئية بتجفيف بحيرة الحولة.
ولم تكن اسرائيل تعترف علانية بهذه الحقائق حيث كانت راكبة راسها في استغلال أي منبع مائي من أجل الاستفادة منها عبر الضغط الاسموزي لتنمية صحراء النقب التي وجدت فيها متنفسا وحيدا للتوسع في الاراضي الفلسطينية التي احتلتها العام 1948 .
ودأب الأردن، البلد الأكثر تاثراً من موت البحر الميت بيئيا الى تحذير جميع دول العالم من كارثة محققة ان لم يتم انقاذ هذه البقعة المائية التاريخية مما تعانيه، وهو اقترح شق قناة بين البحر الأحمر والبحر الذي يموت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن هذا المطلب الأردني جوبه برفض عربي اولا من دون تفهم اسباب الشكوى الأردنية.
واعتبر مراقبون من أكبر بلد عربي هو مصر ان مشروع ربط البحر الميت بالبحر الأحمر قد يضر اقتصاديا بمصر؟ ولكنهم لم يتلمسوا الحاجة الأردنية في مواجهة الكارثة المقبلة بيئيا، حيث لم يدركوا ان البحر الميت لا يؤدي اللى اية موانىء عالمية لكي تؤثر على قناة السويس التي تربط المتوسط بالبحر الأحمر.
ولم تكن غايات الأردن في شكواه المستمرة استثمارية او الحصول على اية موانىء حيث البحر الميت مغلق ولا طريق له الى اية موانىء على أي بحر في العالم، ولكن المشكلة بيئية بالدرجة الأساس.
واذ ذاك، فإن البحر الميت يُحتضر، والأردن يحاول إسعافه من دون تشخيص للمرض المتسبب في موته، هل مشروع أنبوب "الأحمر - الميت" هو أفضل أساليب العلاج؟.
وخلال انعقاد مؤتمر جوهانسبرغ في افريقيا الجنوبية العام 2002 ، خُصصت جلسة خاصة لمناقشة ما وصلت إليه حال البحر الميت -الذي يرى البعض أن موته أصبح حتميًّا- نوقش خلالها المقترح الأردني لإنقاذه عن طريق ما يسمى بقناة البحرين لتزويد البحر الميت بالمياه من البحر الأحمر لاستمرار انخفاض منسوب المياه في الميت بشكل واضح قد يؤدي إلى اختفائه عام 2050.
وقد اتفق الجانبان الإسرائيلي والأردني على المشروع لولا الإعلان عن تأجيل طرح الموضوع من قِبل الأردن لأسباب سياسية تتعلق بالعدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ومعارضة بعض الدول العربية لهذا المشروع وخاصة مصر والفلسطينيين.
والمشروع كما تم طرحه عالميا، يشتمل على مرحلتين: الأولى ربط البحر الأحمر بالبحر الميت من خلال أنبوب للمياه على طول 180 كيلومترًا يمر بالأراضي الأردنية، والثانية يتم خلالها إنشاء محطات توليد طاقة كهربائية من خلال المياه التي ستأتـي مندفعة من البحر الأحمر إلى البحر الميت، والتي ستوزع على المناطق القريبة، وأيضا إقامة محطات تحلية للمياه بطاقة تصل إلى 850 مترًا مكعبًا سنويًّا.
ومن المتوقع أن يستمر بناء المشروع الى ما بين 10 إلى 15 عامًا في حال البدء به، وتصل تكلفته إلى 800-900 مليون دولار، وقد طرحت سابقًا عدة مشروعات أردنية وإسرائيلية، كان أحدها أردنيًّا يقترح إقامة قناة مفتوحة بطول 350 كيلومترًا بين البحر الأحمر والميت، لكن التكاليف كانت هي العقبة الأساسية حيث وصلت تكلفة هذا المشروع إلى 3 مليارات دولار.
ويبرر الأردن تحمسه الشديد للمقترح الجديد رغم الشراكة الإسرائيلية بأنه شعور بالخطر على البحر الميت، وأن القناة ستكون في الأراضي الأردنية؛ مما يجعلها في مأمن من الأطماع الإسرائيلية وإمكانية إقامة فتحات في الأنابيب لإحياء بعض المناطق.
ويواجه المشروع انتقادات عديدة سواء سياسية أو علمية؛ فالعلماء متخوفون من فشل التجربة؛ مما يعني عدم الإبقاء على مميزات البحر الميت الحالية؛ وذلك لاختلاف الطبيعة الكيميائية لمياه البحر الأحمر عن البحر الميت التي قد تصل إلى أن يتحول لون البحر الميت من اللون الأزرق الصافي إلى الأبيض الحليبي أو حتى الوردي، هذا إضافة إلى ما يعانيه البحر الأحمر أيضًا من مشاكل بسبب التلوث لعبت إسرائيل دوراً فيه، كما ستتأثر نسبة الملوحة في البحر الميت بعد اختلاطها بمياه البحر الأحمر ذات نسبة الملوحة الأقل بكثير.
* أدنى الأرض.. أكثرها تميزًا
والبحر الميت كما جاء في كتاب "جغرافية فلسطين" هو عبارة عن بحيرة فاصلة للوادي المتصدع الأردني الذي يقع على حد نهر الأردن المتدفق من الشمال لوادي "عربة" جنوبا، ويتكون من حوضين: الحوض الشمالي الذي يبلغ عمقه 320 مترًا حسب آخر قياس عام 1997م، والحوض الجنوبي الضحل الذي بدأ يتراجع منذ عام 1987، ويفصل بين الحوضين شبه جزيرة ليسان ومضايق الموت التي بها تل من الطمي، يبلغ ارتفاعه 400 متر تحت سطح البحر، ويُعتبر البحر الميت أكثر المسطحات المائية ملوحة على مستوى العالم؛ حيث يصل تركيز الأملاح به إلى 32%، في حين تصل إلى 3% في البحار الأخرى، وينفرد بتركيبه الأيوني، كما أن الوزن النوعي لمياهه يبلغ متوسطًا عامًا 206.1 جم/سم مكعب، وهذا سر طفو الأجسام فوقه بشكل واضح.
ويختلف المؤرخون حول سبب تسميته بالميت؛ فمنهم من ينسب ذلك لانعدام أمواجه، ومنهم من يرى أنه بسبب موت الكائنات البحرية؛ حيث لا يعيش فيها سوى الميكروبات والبكتريا التي يمكنها تحمل نسبة الملوحة العالية، ولا تسقط الأمطار عليه إلا بنسبة قليلة جدًّا تصل إلى 90 ملم سنويا فقط؛ لذا فهو يعتبر من المناطق القاحلة، هذا إلى جانب درجة عالية من التبخر تصل إلى ما بين 1300 إلى 1600 ملم، حيث إن ازدياد درجة الملوحة على سطح البحر الميت كلما ارتفعت درجة الحرارة يزيد من عملية البخر.
ولأملاح البحر الميت تأثيرات علاجية وتجميلية عديدة.. حيث يأتي السياح من مختلف أنحاء العالم للاستشفاء في هذه المنطقة، فالعلماء والخبراء يقولون إن ماء وهواء وشمس البحر الميت هي العلاج الحقيقي والطبيعي للأمراض الجلدية، حيث تحمل خواص لا تتوافر في الكون إلا في أرض البحر الميت، فانخفاض مستوى سطحه عن سطح البحر يوفر أعلى نسبة أكسجين، ومع الحرارة المرتفعة يزيد التبخر فيبقى الجو مشبعاً بأملاح الماغنسيوم والبروميد والكالسيوم وغيرها من العناصر؛ مما يؤدي إلى المساعدة في علاج الأمراض الجلدية والأوردة الدموية وغيرها من الأمراض مثل الصدفية، كما أن نسبة الرطوبة منخفضة حيث لا تتجاوز 5 % وهي من الميزات التي تساعد في العلاج الطبيعي.
وتستخدم أملاح البحر الميت في مستحضرات التجميل، حيث أنشئت عشرات المصانع على الجانبين الأردني والإسرائيلي لعملية استخراج هذه الأملاح وتصديرها، إضافة إلى وجود نباتات البحر الميت التي تستخدم هي الأخرى في مستحضرات التجميل، ويشكل ما ينتجه البحر الميت في كل من إسرائيل والأردن من مواد التجميل والعلاج ما يصل إلى 10 % من الإنتاج الدولي لمواد التجميل، وتقدر عائدات البحر الميت بما يزيد عن 4.7 ملايين دولار سنويا؛ حيث إن 92% من جميع منتجات البحر الميت يجري تصديرها.
* البحر الميت.. من يحاول قتله؟
وصل تناقص البحر الميت إلى 80 سم سنويًّا ليصل إلى انخفاض 10 أمتار عن مستواه في السبعينيات من القرن الماضي، ويعد السبب الرئيس لهذا التناقص الشديد هو تقلص كمية المياه الواردة للبحر فمنذ منتصف هذا القرن والمياه المتدفقة للبحر من نهر الأردن التي كانت تبلغ حوالي 972 مليون م3 تتقلص كميتها لتصل إلى ما يقارب 125 مليون متر مكعب عام 1985 كما ذكرت صحيفة الرسالة الفلسطينية.
فالاحتلال الاسرائيلي يقوم باستمرار بتجفيف منابع الأودية والأنهار التي تغذي الميت، حيث أقام ما يزيد عن 18 مشروعا لتحويل مياه نهر الأردن المغذي الأساس والرئيس له، وتحويل الأودية الجارية التي تتجمع فيها مياه الأمطار وتجري باتجاه الميت إلى المناطق المحتلة وخاصة للمستوطنات، وقد وصلت نسبة المياه المحجوزة والمحولة عن البحر الميت حوالي 90% من مصادره، كما قامت إسرائيل بحفر ما يزيد عن 100 بئر غائر لسحب المياه الجوفية من المناطق القريبة التي تغذي أيضاً البحر الميت بالمياه.
وثقوم حكومة اسرائيل، إضافة إلى ذلك إقامة المصانع ومراكز استخراج الأملاح خاصة البروميد بصورة كبيرة من البحر الميت والتي تؤدي حسب آراء الخبراء إلى زيادة مستوى التبخر؛ مما يؤثر على طبقة الأوزون، حيث أثبت علماء ألمان من خلال الأقمار الصناعية تأثر طبقة الأوزون في منطقة البحر الميت بسبب المصانع المقامة والمنتجة للمواد المعدنية خاصة عنصر ميثيل البروميد الذي يساعد على اتساع ثقب الأوزون.
وعليه من معلومات، فلا تستثنى حكومة الأردن من المشاركة في قتل البحر الميت، حيث قامت بتحويل عدد من المنابع التي تزود البحر بالمياه إلى مناطق عمان والمدن الأردنية لشح المياه التي تعاني منه بسبب الجفاف وإن كان لا يتساوى مع ما تقوم به إسرائيل.
وهناك من يشكك في تضخيم حجم المشكلة وإن لم يقلل منها، ويقول إن البحر الميت قد تعرض في السابق إلى عملية تقلصات طبيعية دون تدخل العامل البشري، ويدلل بأنه في حال ترك المياه الموجودة تسير بصورة طبيعية إلى البحر فهو سيعاود الارتفاع أو على الأقل لن يتعرض للاندثار، فهل يُبعث البحر الميت من جديد؟ أم أن قاتليه سيستمرون في التربص به حتى يقضوا عليه والى الأبد.
* هل حقاً هو ميت؟
يحطم البحر الميت أرقاما قياسية عالمية: فهو يقع في منخفض عميق هو الأوطأ بالعالم (حوالي 400 متر تحت سطح البحر) وهو أيضا أكبر مجمع مائي الأكثر ملوحة بالعالم. ملوحة البحر الميت أعلى بـ 10 أضعاف من تلك المميزة للبحار الكبيرة والمحيطات (تركيز الأملاح في البحر الميت 34% وفي البحر المتوسط 3.5%).
البحر الميت هو موقع خاص ومهم ؛ تستعمل مياهه في الصناعة (استخلاص أملاح معدنية)، لسياحة الاستجمام والعلاج (ينابيع حارة، طين ومياه ذات خصائص علاجية)، على مقربة منه مواقع عديدة ذات أهمية حضارية - تاريخية مثل مسادة والكهوف التي اكتشفت فيها الوثائق المكتنزة، ويشكل محيطه موطنا لنباتات وحيوانات مميزة.
ومع أن اسمه "البحر الميت" إلا أنه تعيش فيه كائنات حية هي جزء من نظام بيئي خاص.
إذ خلال آلاف سنوات وجوده تغير مستوى الماء في البحر الميت بصورة متطرفة (جف البحر وغُمر على التبادل)، بينما في مطلع القرن الـ20 بلغ مستوى البحر الميت أوجه، فقد انخفض المستوى في الثلاثين سنة الأخيرة بنحو 25 مترا، وفي الأوان الأخير زاد تسارع انخفاض المستوىو ينزل المستوى باستمرار بقدر كبير نتيجة نشاط الإنسان حوله.
والاستغلال الانساني يشمل الاستغلال الصناعي على مدى سنين، لا سيما بواسطة مصانع البحر الميت التي تستخرج أملاحا معدنية من مياهه؛ قلة الرواسب في المنطقة وتقليص بارز بكمية الماء الواصلة للبحر الميت من نهر الأردن؛ فاليوم تصل فقط 10% من مياه الأردن إلى البحر الميت ويُستغل الباقي للري واستعمالات أخرى للسكان على امتداد الأردن. سبّب انخفاض مستوى مياه البحر إلى تشكيل حفر خطرة في المنطقة وتضرر الصناعة، السياحة والنظام البيئي المركب والمميز في البحر الميت. إصابة أخرى تتسبب نتيجة تصريف مياه مجاري منزلية وصناعية إلى البحر الميت.
وفي السبعينات من القرن الـ20 تبلورت خطة لتنفيذ "قناة البحار"، التي كان من المفروض أن تنقل مياه من البحر المتوسط إلى البحر الميت، لكن لأسباب شتى لم تخرج إلى حيز التنفيذ.
وفي العامين الأخيرين بادرت الجهات المعنية بالسلام الى نقل مشروع مشترك بين إسرائيل والأردن يهدف إلى إنقاذ البحر الميت وبإطاره تُنقل مياه من البحر الأحمر للبحر الميت بواسطة قناة أو أنبوب.
والمشروع سيتم تنفيذه فقط بعد إجراء استطلاع شامل لفحص التأثيرات البيئية على المنطقة التي ستمر منها القناة وعلى البحر الميت. ثمة من يدعون أن بأعقاب دخول مياه البحر الأحمر تتكون في الطبقة العليا من البحر الميت طبقة ماء ذات تركيبة أملاح تختلف عما هي في مياه البحر الميت. نتيجة ذلك ستتضرر الخصائص العلاجية للبحر، وستتجمع على سطحه طبقة أملاح صعبة الذوبان وقد يظهر "طفح" أحمر نتيجة تكاثر كائنات حية دقيقة تحتوي على صبغات حمراء، كل هذا قد يمس بسياحة الاستجمام والعلاج في البحر الميت.
وتقول التقارير انه قبل فهم التأثيرات المحتملة لمشروع "قناة ناقل السلام" على الأحياء في البحر الميت، فإنه من المهم التعرف على هذا الموطن الفريد وهو موطن فيه الظروف متطرفة: ملوحة عالية جدا، تركيز عالٍ بشكل خاص لأيونات معينة لا سيما المغنيسيوم والكالسيوم، درجة حرارة عالية (حتى 35ْ م على السطح)وشدة أشعة قوية. هذه الظروف تسمح فقط لكائنات ذات تلاؤمات خاصة بالعيش في مياه البحر الميت.
* حياة في بحر الموت
هذا البحر سمي بالبحر الميت لاعتقادهم بالماضي أنه لا حياة فيه، ومنذ عام 1936 في نشر للباحث بنيامين العزري فولكاني ذكر أنه تعيش في البحر الميت كائنات حية دقيقة مميزة باستطاعتها العيش بأعلى تركيز أملاح بالعالم: طحلب أخضر وبعض أنواع بكتيريا حمراء لاهوائية وهوائية محبة للأملاح (هالوفيلية أو هالوتوليرانتية ). كما وصفت أوليات مثل أميبيات وهدبيات وذكرت مؤخرا أيضا فطريات محبة للأملاح - هالوفيلية وهالوتوليرانتية. اليوم، بأعقاب سوء ظروف المعيشة في البحر الميت (عملية التجفيف وارتفاع تركيز الأملاح) فإن عدد الأنواع التي يمكن إيجادها فيه أقل مما كان بالماضي. الكائنات الدقيقة الموصوفة لاحقا هي جزء من الكائنات التي تعيش في البحر الميت ولها تلاؤمات خاصة للحياة في الظروف الصعبة التي تسود به.
الطحلب وحيد الخلية دونالييلا (Dunaliella prava)
طحلب تمثيلي ذاتي التغذية (فوتوأوتوتروبي)، موجود بتراكيز عالية خاصة بالطبقة العليا من الماء ("مياه السطح"). يحتاج الدونالييلا لنموه إلى أملاح النيتروجين والكبريت والفوسفور. مركبات نيتروجين وكبريت متوفرة في مياه البحر الميت أما مركبات الفوسفور فتتدفق إليه مع مياه الفيضانات. جدران خلايا الدونالييلا ليست صلبة، ولذا بوسع الخلايا استيعاب ماء وفقدان ماء وتغيير حجمها وفقا للشروط الأوسموزية في الماء. يتكون في خلايا الطحلب ويخزن "غليسرول " بتركيز عالٍ، لكنه لا يضر العمليات التي تحدث في الخلية.
ويقول علماء ان أصل الغليسرول في مياه البحر من خلايا طحلب دونالييلا، قليل منه نتيجة تسرب المادة من الخلايا الحية ومعظمه من خلايا طحالب ميتة.
وبوسع الطحلب العيش بمجال واسع من الملوحة بفضل تغيرات بتركيز الغليسرول في خلاياه وجدار الخلية غير الصلب، عندما تصبح الملوحة في البحر الميت عالية جدا بالنسبة لمعيشة لدونالييلا، تختفي خلاياه بسرعة من مياه البحر وبنفس الوقت تنشأ خلايا سميكة الجدار، بوسعها البقاء فترة طويلة بحالة غير نشطة، حتى تحين ظروف مناسبة لتكاثر الطحلب. تدعى هذه الخلايا الراسبة في قعر البحر خلايا دائمة. عندما تكون الظروف مواتية في الموطن تتطور الخلايا الدائمة إلى طحالب.
وبفضل المواد الموجودة في خلاياه يعتبر الطحلب ذا خصائص فريدة ويستعملونه بصناعة التجميل. وتنتمي بكتيريا هالوروبروم سودومنسي (Halorubrum sodomense) لمجموعة بكتيريا هوائية محبة للأملاح من عائلة Halobacteriaceae. هذه البكتيريا وغيرها عُزلت من البحر الميت (Haloferax volcanii و Halobaculum gomorrense) هي غير ذاتية التغذية وكذلك تعيش بالأساس في الطبقات العليا من مياه البحر الميت. بظروف تنمية معينة تنتج هالوروبروم سودومنسي بروتينا بنفسجيا (بكتيريورودوبسين) بواسطته بإمكان البكتيريا استغلال ضوء الشمس كمصدر طاقة. البكتيريا المحبة للأملاح بحاجة لتركيز عالٍ من أيونات المغنيسيوم في الماء.
ورغم أن هذه البكتيريا تعيش فقط في محيط فيه تركيز عالٍ جدا من الأملاح، إلا أن مقدرتها على التكيف للتغيرات في ملوحة المحيط محدودة. تجمّع الأملاح (خاصة كلوريد البوتاسيوم KCl) في الخلايا بتركيز مشابه وحتى أعلى مما في مياه البحر الميت يتيح لهذه البكتيريا المحافظة على الضغط الأسموزي في خلاياها. بروتينات البكتيريا هي ذات مبنى خاص، يكسبها استقرارا بتراكيز ملح عالية.
تأثير العوامل اللاأحيائية على المعيشة في البحر الميت
تغير تركيز الأملاح في الماء نتيجة دخول مياه أمطار وفيضانات:
حتى عام 1979 كان البحر الميت جسما مائيا مكونا من طبقات - يتكون من ثلاث طبقات مائية منفصلة، في كل منها تركيز مختلف من الأملاح. تكونت الطبقات نتيجة فروق بكثافة الماء: كثافة منخفضة بطبقة "مياه السطح" العليا (40 م عليا) - الأقل ملوحة، وتزداد الكثافة تدريجيا بالطبقة الانتقالية (على عمق 40 - 80 م) وكثافة عالية في الطبقة العميقة (عمق أكثر من 80 م) والأكثر ملوحة. بسبب التبخر الشديد وانخفاض مستوى البحر الدائم، زادت خلال السنين ملوحة طبقة الماء العليا، حتى وصلت في شباط 1979 ملوحة مياه السطح لقيمة عالية بحيث تساوت مع المياه العميقة وجراء ذلك نشأ جسم مائي دون طبقات ولا يوجد فيه فرق بارز بين تركيز الأملاح على أعماق مختلفة.
تختلف كمية مياه الأمطار والفيضانات الواصلة للبحر الميت كل عام. عادة مياه البحر مالحة جدا (حوالي 340 غرام أملاح في اللتر) لكن، بشتاء ماطر أكثر من العادة، عند وصول البحر مياه فيضانات غزيرة (كما بعد الشتاء الماطر جدا في الأعوام 1980 و 1991 - 1992) تكونت الطبقات ثانية.
ومع مرور الوقت، إثر تبخر شديد وارتفاع تركيز الأملاح في الطبقة العليا من الماء، اختفت الطبقات الجديدة من مياه البحر الميت.
وعند أخذ عينات منهجية، أُجريت بمياه البحر الميت بدءا بأواخر 1979، فحص حجم فئات الكائنات الحية الدقيقة بأزمنة متفاوتة وبأعماق مختلفة في الماء. اتضح أن البحر الميت يشكل موطنا ديناميا جدا، تحدث فيه تغيرات كبيرة وسريعة بكثافة فئات الطحالب والبكتيريا وهي تتغير من عام لآخر.
ولا يتعلق استمرار الحياة في البحر الميت بالملوحة العامة فحسب، بل أيضا بتركيبة الأملاح والنسب بين مختلف الأيونات في الماء. تركيبة الأملاح في البحر الميت مميزة، فهي غنية بأيونات المغنيسيوم والكالسيوم مقارنة مع مجمعات مائية مالحة أخرى: ثلا، تشكل أملاح الكالسيوم 14% من مجموع الأملاح في البحر الميت وأملاح المغنيسيوم - 41%، بينما في البحر المتوسط تشكل أملاح الكالسيوم 3.3% من مجموع الأملاح وأملاح المغنيسيوم 17%.
وتقول التقارير العلمية ان الكائنات الدقيقة تنجح في العيش في البحر الميت رغم أنه ليس المحيط الحيوي الأمثل لتطورها حيث إنها تتطور أفضل بمستويات ملوحة وتراكيز أيونات مغنيسيوم وكالسيوم أقل بكثير من الموجودة في البحر الميت، والارتفاع التدريجي بتراكيز هذه الأيونات في مياه البحر يصعّب جدا معيشتها فيه، وهذا مثال لارتفاع تركيز أيونات المغنيسيوم عقب جفاف وانخفاض مستوى البحر الميت.
واثبتت التجارب إن أكثر بكتيريا تتلاءم مع الحياة بتراكيز عالية من المغنيسيوم (مثل بكتيريا هالوروبروم سودومنسي وهالوفيراكس فولكاني) تنمو بصورة مثلى بتراكيز مغنيسيوم أقل بكثير من الموجود اليوم في البحر الميت. وقد نما نوع من البكتيريا بمزارع منفصلة (دون كائنات دقيقة أخرى بمزرعة التنمية). نمي كل نوع بكتيريا بعدة مزارع في كل منها تركيز مغاير من أيونات المغنيسيوم.
ومثلت الأبحاث العلمية المعروضة عالميا تأثير عاملين لاأحيائيين في حال البحر الميت هما: تركيز مجمل الأملاح وتركيز أيون المغنيسيوم على الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في نظام بيئي خاص جدا - البحر الميت، الذي اعتبر بالماضي "ميتا". هل ستبقى فيه حياة خاصة؟
وتصل التقارير الى نتيجة علمية تقول انه إذا استمر انخفاض مستوى البحر، ربما يأتي يوم يكون فيه البحر الميت حقا ميتا، ف الظروف التي تسود فيه لن تتيح بعد معيشة الكائنات التي ما زالت تعيش فيه.
وفي الختام، تطالب التقارير العلمية من أن جميع الأطراف ذات الصلة باتخاذ قرارات تخص مستقبل البحر الميت تفحص بعناية الانعكاسات المتوقعة للمشروع الذي سوف يخرجونه لحيز التنفيذ، إذ أن البحر الميت هو موقع طبيعي ومحيط حياتي مميز، مصدر لموارد طبيعية وموقع سياحي مهم وربما للعالم بأسره وليس فقط للأردن او اسرائيل.